سورة الشورى - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ (43)}
قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} كقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194].
وكقوله {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 129] فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، كقوله تعالى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45]؛ ولهذا قال هاهنا: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} أي: لا يضيع ذلك عند الله كما صح في الحديث: «وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا» وقوله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} أي: المعتدين، وهو المبتدئ بالسيئة.
وقال بعضهم: لما كانت الأقسام ثلاثة: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، ثم ذكر السابق بقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم ذكر الظالم بقوله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} فأمر بالعدل، وندب إلى الفضل، ونهى من الظلم.
ثم قال: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} أي: ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم.
قال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الله بن بَزيع حدثنا معاذ بن معاذ، حدثنا ابن عَوْن قال: كنت أسأل عن الانتصار: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} فحدثني علي بن زيد بن جدعان عن أم محمد- امرأة أبيه- قال ابن عون: زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة- قالت: قالت أم المؤمنين: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندنا زينب بنت جحش، فجعل يصنع بيده شيئا فلم يَفْطِن لها، فقلت بيده حتى فَطَّنته لها، فأمسك. وأقبلت زينب تقحم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي. فقال لعائشة: «سُبّيها» فسبتها فغلبتها، وانطلقت زينب فأتت عليا فقالت: إن عائشة تقع بكم، وتفعل بكم. فجاءت فاطمة فقال لها: «إنها حبة أبيك ورب الكعبة» فانصرفت، وقالت لعلي: إني قلت له كذا وكذا، فقال لي كذا وكذا. قال: وجاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في ذلك.
هكذا ورد هذا السياق، وعلي بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات غالبا، وهذا فيه نكارة، والحديث الصحيح خلاف هذا السياق، كما رواه النسائي وابن ماجه من حديث خالد بن سلمة الفأفاء، عن عبد الله البَهِيّ، عن عروة قال: قالت عائشة، رضي الله عنها: ما علمتُ حتى دخلت عليَّ زينب بغير إذن وهي غضبى، ثم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذُرَيّعَتَيهَا ثم أقبلت علي فأعرضت عنها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دونك فانتصري» فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها، ما ترد علي شيئا. فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه. وهذا لفظ النسائي.
وقال البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو غسان، حدثنا أبو الأحوص عن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا على من ظلمه فقد انتصر».
ورواه الترمذي من حديث أبي الأحوص، عن أبي حمزة- واسمه ميمون- ثم قال: لا نعرفه إلا من حديثه، وقد تكلم فيه من قبل حفظه.
وقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ} أي: إنما الحرج والعنت {عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي: يبدؤون الناس بالظلم. كما جاء في الحديث الصحيح: «المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يَعْتَد المظلوم».
{أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: شديد موجع.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا سعيد بن زيد- أخو حماد بن زيد- حدثنا عثمان الشحام، حدثنا محمد بن واسع قال: قدمت مكة فإذا على الخندق مَنْظَرَة، فأخذت فانطلق بي إلى مروان بن المهلب، وهو أمير على البصرة، فقال: حاجتك يا أبا عبد الله. قلت حاجتي إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عدي. قال: ومن أخو بني عدي؟ قال: العلاء بن زياد، استعمل صديقا له مرة على عمل، فكتب إليه: أما بعد فإن استطعت ألا تبيت إلا وظهرك خفيف، وبطنك خميص، وكفك نقية من دماء المسلمين وأموالهم، فإنك إذا فعلت ذلك لم يكن عليك سبيل، {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال صدق والله ونصح ثم قال: ما حاجتك يا أبا عبد الله؟ قلت: حاجتي أن تلحقني بأهلي. قال: نعم رواه ابن أبي حاتم.
ثم إنه تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص، قال نادبا إلى العفو والصفح: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} أي: صبر على الأذى وستر السيئة، {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ}
قال سعيد بن جبير: يعني لمن حق الأمور التي أمر الله بها، أي: لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي، حدثنا عبد الصمد بن يزيد- خادم الفضيل بن عياض- قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل: يا أخي، اعف عنه. فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل. فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو، فإنه باب واسع، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلب الأمور.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى- يعني ابن سعيد القطان- عن ابن عَجْلان، حدثنا سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال: «إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان». ثم قال: «يا أبا بكر، ثلاث كلهن حق، ما من عبد ظُلم بمظلمة فيغضي عنها لله، إلا أعز الله بها نَصْرَه، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة، إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة، إلا زاده الله بها قلة».
وكذا رواه أبو داود، عن عبد الأعلى بن حماد، عن سفيان بن عيينة- قال: ورواه صفوان بن عيسى، كلاهما عن محمد بن عَجْلان ورواه من طريق الليث، عن سعيد المَقْبُرِي، عن بشير بن المحرر، عن سعيد بن المسيب مرسلا.
وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى، وهو سببُ سبه للصديق.


{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)}
يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة: إنه ما شاء كان ولا راد له، وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له وأنه من هداه فلا مُضِل له، ومن يضلل فلا هادي له، كما قال: {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17]
ثم قال مخبرا عن الظالمين، وهم المشركون بالله {لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} أي: يوم القيامة يتمنون الرجعة إلى الدنيا، {يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}، كما قال تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 27، 28].
وقوله: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي: على النار {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} أي: الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله، {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} قال مجاهد: يعني ذليل، أي ينظرون إليها مُسَارقَة خوفا منها، والذي يحذرون منه واقع بهم لا محالة، وما هو أعظم مما في نفوسهم، أجارنا الله من ذلك.
{وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا} أي: يقولون يوم القيامة: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ} أي: الخسار الأكبر {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: ذهب بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد، وخسروا أنفسهم، وفرق بينهم وبين أصحابهم وأحبابهم وأهاليهم وقراباتهم، فخسروهم، {أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} أي: دائم سرمدي أبدي، لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها.
وقوله: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: ينقذونهم مما هم فيه من العذاب والنكال، {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} أي: ليس له خلاص.


{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ (48)}
لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة حَذَّر منه وأمر بالاستعداد له، فقال: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} أي: إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون، وليس له دافع ولا مانع.
وقوله: {مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} أي: ليس لكم حصن تتحصنون فيه، ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه، فتغيبون عن بصره، تبارك وتعالى، بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته، فلا ملجأ منه إلا إليه، {يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ. كَلا لا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة: 10- 12].
وقوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا} يعني: المشركين {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي: لست عليهم بمصيطر.
وقال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272]، وقال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: 40] وقال هاهنا: {إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ} أي: إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم.
ثم قال تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا} أي: إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ} يعني الناس {سيئة} أي: جدب ونقمة وبلاء وشدة، {فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ} أي: يجحد ما تقدم من النعمة ولا يعرف إلا الساعة الراهنة، فإن أصابته نعمة أشر وبطر، وإن أصابته محنة يئس وقنط، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء: «يا معشر النساء، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار» فقالت امرأة: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: «لأنكن تُكثرن الشكاية، وتكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت: ما رأيت منك خيرا قط» وهذا حال أكثر الناس إلا من هداه الله وألهمه رشده، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فالمؤمن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6